كتاب الفلاح

د.حيدر حسين آل طعمة يكتب: تقلبات أسعار السلع الزراعية.. الأسباب والأثار

 

 

 

بقلم: د. حيدر حسين آل طعمة

 

واجه الاقتصاد العراقي عام 2020 عاما حافلا بالتحديات الاقتصادية،

حيث تمثلت بانهيار أسعار النفط وتراجع الإيرادات النفطية بشكل حاد نتيجة تفشي فيروس كورونا،

والقيود التي فرضت على مختلف الأنشطة الاقتصادية فضلا على تخفيض قيمة الدينار العراقي،

نتيجة ضغوط مالية تعرضت لها خزينة الدولة جراء تراجع الإيرادات النفطية للبلاد إلى دون النصف مقارنة بالعام 2019،

مما عرقل إقرار مشروع موازنة 2020 لصالح إصدار أكثر قروض عامة تقارب (27) ترليون دينار لتمويل الرواتب وبعض النفقات الضرورية.

وقد خلف تفشي فيروس كوفيد-19 تداعيات خطيرة على الطبقات الفقيرة والهشة في البلاد نتيجة توقف النشاط الاقتصادي بشكل مفاجئ،

خصوصا بالنسبة للفئات التي تعمل خارج القطاع العام وبالأجر اليومي.

ولم تتمكن الحكومة العراقية من تخفيف التداعيات الاقتصادية على محدودي الدخل،

والفقراء عبر برامج الحماية الاجتماعية والدعم النقدي نتيجة ضعف التدفقات المالية الكافية لتلك البرامج.

ووفقا للبنك الدولي فإن معدل الفقر في العراق ارتفع إلى (40%) من حجم السكان البالغ عددهم (40) مليون نسمة وفقا لأحدث الأرقام.

 

كما خلف تخفيض قيمة الدينار بنسبة (22%) موجات تضخمية تفوق هذا الرقم بكثير،

نتيجة استغلال التجار والموردين لهذا التخفيض برفع أسعار السلع المستورد بشكل مضاعف في بعض الأحيان بحجة ارتفاع سعر الدولار.

وقد امتدت الموجات السعرية المرتفعة لتطال معظم السلع والخدمات في البلد حتى المحلي منها،

رغم إدعاء الحكومة بأن سياسة رفع سعر صرف الدولار تستهدف بشكل أساسى تحفيز المنتج المحلي ليكون قادرا على منافسة المنتج الاجنبي في الاسواق المحلية.

لكن ذلك لم يتحقق تقريبا لعدة أسباب منها غياب الرقابة واستغلال بعض المنتجين للأوضاع السعرية الجديدة في رفع أسعار منتجاتهم المحلية،

وأيضا لعدم قدرة إحلال المنتجات الوطنية، بالكمية والنوعية، بدلا من المنتجات الأجنبية المستوردة في الأمد القصير أو المتوسط،

هذا إضافة إلى اعتماد العديد من المنتجات المحلية على مستلزمات إنتاج مستوردة في الغالب.

 

الضغوط السعرية للسلع الزراعية

 

لقد تبنت حكومة مصطفى الكاظمي في الشهور الأولى من العام الحالي جملة من السياسات،

للحد من استغلال التجار والموردين لارتفاع سعر الدولار في مضاعفة أسعار السلع المستوردة والمحلية أيضا،

وقد تراجعت الاسعار قليلا بفعل المنافسة وعادت مناسيب الأسعار للتكيف مع السعر الجديد للدولار.

لكن لا تزال الضغوط السعرية تطارد المواطن البسيط من جهات أخرى،

إذ يلاحظ ارتفاع أسعار السلع الزراعية الضرورية بين الحين والآخر بسبب ضعف سياسات وزارة الزراعة،

وذلك في حماية الأمن الغذائي من جهة واستغلال جزء كبير من تجار السلع الزراعية من جهة أخرى.

أخر تلك الأزمات كان ارتفاع أسعار معظم السلع الزراعية في شهر آب الماضي،

حيث ارتفعت الأسعار بشكل مضاعف لمعظم أساسيات المائدة العراقية من محاصيل زراعية،

نتيجة شحة المعروض والتحكم بالمخزون من قبل كبار التجار.

ورغم قيام وزارة الزراعة، في وقت متأخر، كالعادة بفتح استيراد بعض المحاصيل الزراعية،

إلا أن اجراءات الوزارة جاءت متأخرة، والأسعار استمرت بالارتفاع.

بدلا من ذلك، كان ينبغي لسياسات الوزارة أن تكون استباقية،

خصوصا مع علم وزارة الزراعة بمواسم شح المحاصيل الزراعية في الأسواق،

لا أن يكون المواطن مسرحا لتقلبات الأسعار لحين قيام وزارة الزراعة بإتخاذ الاجراءات اللازمة،

ولحين نفاذ تلك الاجراءات الى الأسواق وعودة استقرار الأسعار إلى الأسواق.

ويمكن ايجاز أبرز التحديات المتعلقة بتقلبات اسعار الزراعية واثارها على المواطن بما يلي:

 

1- تعاني الطبقات الفقيرة من الارتفاع والتذبذب المستمر في مستويات أسعار السلع الزراعية الأساسية،

بسبب ضعف سيطرة وزارة الزراعة على التجار والموردين بالشكل الذي يؤمن توفير الكميات الكافية لاستيعاب الطلب المحلي،

خصوصا في المناسبات التي يزداد فيها الطلب على السلع الزراعية.

 

2- اخفقت وزارة الزراعة في تصفير ملف تهريب المنتجات الزراعية الممنوعة من دخول البلد لوجود منتج محلي يحتاج الى دعم.

إذ لا زالت السلع الممنوعة من الدخول (كالتمور السعودية) تدخل بإنسيابية إلى العراق وتغزو الأسواق وبأسعار تنافس المنتج الوطني.

 

3- تعزو العديد من الدراسات والتقارير ضعف سيطرة وزارة الزراعة على تهريب السلع الزراعية من دول الجوار إلى العراق،

نتيجة فتح منافذ الاستيراد في إقليم كوردستان.

وقد ولد غلق المنافذ الحدودية في المحافظات الجنوبية اجبار التجار للتوجه صوب الإقليم لاستيراد السلع الممنوعة من الدخول

وتغطية الطلب المحلي، مما ساهم في ارتفاع أسعار هذه السلع نتيجة كلف النقل ومصاريف أخرى.

 

4- تشير اتجاهات اسعار السلع الزراعية إلى تقلبات كبيرة بين ارتفاع وانخفاض نتيجة ارتفاع الاسعار للذروة، لأسباب متنوعة،

يليها انخفاض تدريجي لكن بعد مدد طويلة نسبيا، كارتفاع الاسعار الزراعية في شهر اب الماضي وفشل وزارة الزراعة في السيطرة عليه.

خصوصا مع ضعف السياسات الاستباقية رغم وجود مجسات وتجارب تفصح عن مواسم الطلب والعرض للمنتجات الزراعية،

وبالتالي يمكن للوزارة الاستعداد لهذه المواسم بتنظيم ميزان العرض والطلب.

 

5- قد تنجح وزارة الزراعة في فرض ضرائب ورسوم على المنتجات الزراعية المنافسة للمنتج المحلي لتحقيق هدفين في أن واحد:

الأول:- الحصول على إيرادات يمكن أن توجه لدعم المزارع العراقي،

والثاني دخول المنتج الأجنبي بسعر مرتفع يحد من منافسة المنتج المحلي مع تأمين العرض الكافي من المنتجات الزراعية الاساسية، ويتم العمل بهذا النظام في العديد من بلدان العالم.

 

6- يمكن لوزارة الزراعة معالجة معضلة ارتفاع أسعار السلع الزراعية عبر تحديد سقوف للأسعار،

كما كان يتم العمل به سابقا لحماية الفقراء والطبقات الهشة من جشع التجار. خصوصا بالنسبة للزراعية الأساسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى