كتاب الفلاح

من ينقذ المزارع العُمانية قبل إغلاقها؟

المزارع عمان

 

 

بقلم: د.عبدالله باحجاج

 

 

تساؤل العنوان أعلاه، يذهب بنا إلى النجد في محافظة ظفار،

 

حيث تنتظر الكثير من مزارع العمانيين العاديين قطع التيار الكهربائي عنها بسبب فاتورة الكهرباء،

 

وقد قيل لي أثناء زيارتي لمنطقة شصر قبل يومين،

 

إنَّ هناك مزرعة كبيرة من 12 محورًا متخصصة في إنتاج الخضار والحشائش، قد أُغلقت بسبب فاتورة الكهرباء،

 

ولمستُ من زيارتي قلقًا مرتفعًا لدى المزارعين من المصير ذاته،

 

تنتظر الإغلاق

 

لأن أغلبية المزارع، إن لم يكن جميعها تنتظر الإغلاق في أي وقت، لأنها معرضة لقطع التيار الكهربائي عنها،

 

والمفارقة هنا، أن الجهود الرسمية لا تبحث الآن عن الحل الذي يبقيها قائمة،

 

وإنما يرتكز على كيفية قطع الكهرباء.

 

وقد أخذوا وقتًا طويلًا في كيفية القطع، وهنا الأمل،

 

لأنَّ لهذه المنطقة في تاريخ التأخير تجربة مفيدة، قياسًا بقرار هدمها قبل أكثر من سنتين،

 

حيث تم إرجاء القرار بفعل جائحة كورونا، لكنه تحول من التأجيل المؤقت إلى الإلغاء النهائي،

 

أهمية مزارع المواطنين

 

فقد أظهرت كورونا أهمية مزارع المواطنين في النجد بعد إغلاق الحدود ضمن جهود منع انتشار الفيروس،

 

وقد منحت وقت الإغلاق، الثقة والاطمئنان من الأسوأ، وكان المزارعون على مستوى المسؤولية،

 

فقد زادوا الإنتاج فورًا، ونوعوا المنتجات، حتى شمل إنتاج الأزر بكميات متصاعدة، وحافظوا على الأسعار.

 

سنحتفظ لهذه الجائحة بهذا الجميل رغم مآسيها الإنسانية،

 

ورغم أننا لسنا بحاجة لأزمة من هذا الوزن الثقيل حتى تُبين لنا إمكانيات بلادنا وخيراتها التي لم تُستغل،

 

قطع الكهرباء

 

والآن، فكيف ينصب التفكير على قطع التيار الكهربائي عن المزارع المُثقَلة بتراكمات في فاتورة الكهرباء دون البحث عن حلول مُرضية؟.

 

بدا لنا المشهد، أنه لو تم إغلاق كل مزارع المواطنين في النجد بسبب فاتورة الكهرباء، فلن تُذرَف دمعة واحدة،

 

ولن تُثار كقضية وطنية، فالعِلَّةُ في درجات الإيمان بخطر متصور وليس حالًا،

 

فقضية الأمن الغذائي في ضوء تحدياتها المستقبلية غير المنظورة،

 

ولكن تحتاج لأطر وكوادر وطنية يشغلها وجودياً مثل هذه القضايا الاستراتيجية.

 

احتكار شركات الأمن الغذائي

 

وهناك من يُراهن على الشركات الكبرى للأمن الغذائي دون مزارع المواطنين العاديين،

 

وهذا سيكون راهنا على الاحتكارات الكبرى، ومساسا بانسيابية العرض والطلب،

 

ورفد السوق العماني بالمنتجات المحلية الإنتاج بالأسعار والكميات المطلوبة “زمنًا ومكانًا”،

 

وهذا سيكون بعدًا قاصرًا يقصي منظور تعدد الخيارات،

 

وسهولة طرق وصولها للجمهور العام، ويضع أمننا الغذائي في سلة الشركات الكبرى.

 

الفكر واحد

 

ما أشبه الزمنين، زمن محاولة تدمير هذه المزارع بالجرافات، وزمننا الحالي، إغلاقها إذا ما نفذ قطع التيار الكهربائي عنها،

 

لأنَّ الفكر واحد، ولم يرتقِ لمستوى المرحلة الوطنية، وطبيعة تحدياتها المستقبلية،

 

إنه سيكون الفكر الواحد المستنسخ للزمنين، لا حل وسط.

 

إنه فكر راديكالي لحقبتين يفترض أنهما لزمنين مختلفين، واختلافهما بكل المقاييس والمعايير، بما فيها السياسية والاقتصادية،

 

وماهية الدروس التي تخرج بها البلاد من جائحة كورونا، وهي ليست ببعيد، ولا نزال في معمتها حتى الآن.

 

ولو نفذ فكر قطع التيار الكهربائي عن المزارع دون إيجاد حلول وسطية مرضية لكل الأطراف، سيعني أن هناك اختلالا في المفاهيم والقناعات،

 

وأن هذا الاختلال منسوخ من زمن الهدم بالجرافات، ويعني أنَّه لا تزال وراءها مشاعر العداء لهذا المزارع.

 

والعداء ليس بالمعنى اللغوي والدلالي للكلمة، وإنما بالمعنى القانوني،

 

فقد نشأ هذا المفهوم بعد أن نظر لهؤلاء المزارعين على أنهم مخالفون، ذهبوا للصحراء، واستولوا على أراضٍ لزراعتها،

 

العدواة القانونية

 

وحتى لو كان كذلك، فينبغي الآن أن يشكروا على هذه الخطوة، وتشرعن بعد نجاحهم المنقطع النظير.

 

وهذا لن يحدث إلا إذا تحولت العداوة القانونية إلى محبة قانونية ومالية، ويفترض أن يكون هذا التحول قد أصبح بديهيًا،

 

فذلك الزمن كانت وراءه اعتقادات خاطئة رسخت في أذهان المسؤولين،

 

مفادها، أنَّ القضية لم تعد كونها سوى استيلاء على مساحات كبيرة للملك الخاص.

 

عمموا الاستثناء الذي قد نجده هناك فعلًا، فصارت تبنى عليه المواقف العدائية “القانونية” التي تتمثل سابقًا في قرار هدمها بالجرافات،

 

وقد نفذ على أجزاء، لكنها توقفت بعيد تفجر كورونا.

 

ومن ثم تطورت العلاقة إيجابًا، عبر السماح لهم بفدانين، لا تصلح للزراعة وإنما للاستراحة،

 

الانتكاسة

 

والآن أتوقع الانتكاسة المقبلة إذا ما قطع التيار الكهربائي عن هذه المزارع المنتجة والمثمرة،

 

كالمزرعة سالفة الذكر التي لشخصية معروفة، ومشهود لها بتزويد مربي الماشية بالأعلاف،

 

وأيضا السوق المحلي بمختلف الخضروات، وبالأسعار الثابتة التي لا تتغير حتى في وقت الأزمات.

 

ولنا تصور إغلاق مزرعته الكبيرة بعد قطع التيار الكهربائي عنها، المجتمع هو الخاسر،

 

بل البلاد بأكملها في حاضرها ومستقبلها، مزرعة باثني عشر محورا تغلق الآن، ويهدد الإغلاق الأخريات .

 

فماذا ينبغي تسمية ذلك؟ لن نجد مفردة مهما كانت قاسية تُعبِّر عن وصف دقيق لهذا التصرف الرسمي،

 

وكل هذا يحدث في الوقت الذي طال انتظاره لنتائج اللجنة الوزارية التي شكلت لحل مشاكل وإشكاليات الزراعة في النجد،

 

ولست أدري لماذا هذا التطويل الذي لا يخدم مستقبل أمننا الغذائي؟.

 

نظام اللامركزية

 

أرى أنَّ هذا الملف ينبغي أن تخول صلاحياته إقليميًا في ضوء نظام اللامركزية الجديد في بلادنا،

 

وقد أثبتت المركزية أنها لم تكن سوى معرقلة للتطورات وليس منتجة أو مشجعة لها.

 

ويقينًا لو جلست اللامركزية مع ممثلي المزارعين، وهي الجمعية الزراعية بظفار، لتوصلت لحل لمشكلة فاتورة الكهرباء، يحفظ الحقوق المالية للدولة والشركة،

 

وفي الوقت نفسه يحول دون إغلاق المزارع المنتجة والمثمرة، فهذه المزارع قد أقيمت في الصحراء بجهود جبارة، وبديون من البنوك حتى أصبحت مُنتجة .

 

فكيف بقرار إداري وراءه مهما كان مسوغه النفعي الأحادي أن يحكم على المزارع بالإعدام،

 

الحل في الجلوس مع الجمعية الزراعية التي تمثل المزارعين في ظفار، وليس الاستفراد بالقرار.

 

 

نقلا عن موقع الرؤية العمانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Index